في الجنة ما تشتهيه الأنفس من المآكل والمشارب (وفاكهة مما يتخيرون، ولحم طير مما يشتهون), وقال- تعالى-(وفيها ما تشتهيه الأنفسوتلذ الأعين)، وقد أباح الله لهم أن يتناولوا منها خيراتها وألوان طعامها وشرابهاما يشتهون (كلوا واشربوا هنيئا بما أسلفتم في الأيام الخالية). وقد ورد أن في الجنةبحر الماء وبحر الخمر وبحر اللبن وبحر العسل، وأن أنهار الجنة تنشق من هذه البحار،وفي الجنة عيون كثيرة، وأهل الجنة يشربون من تلك البحار والأنهار والعيون.
خمر أهل الجنة: من الشراب الذييتفضل الله به على أهل الجنة الخمر، وخمر الجنة خالي من العيوب والآفات التي تتصفبها خمر الدنيا، فخمر الدنيا تذهب العقول، وتصدع الرؤوس، وتوجع البطون، وتمرضالأبدان، وتجلب الأسقام، وقد تكون معيبة في صنعها أو لونها أو غير ذلك، أما خمرالجنة فإنها خالية من ذلك كله، جميلة صافية رائقة قال- تعالى- (يطاف عليهم بكأس منمعين، بيضاء لذة للشاربين، لا فيها غول ولا هم عنها ينزفون). فقد وصف الله جماللونها (بيضاء) ثم بين أنها تلذ شاربها من غير اغتيال لعقله، كما قال: (وأنهار منخمر لذة للشاربين)، ثم إن شاربها لا يمل من شربها (ولا هم عنها ينزفون)، وقال فيموضع آخر يصف خمر الجنة (يطوف عليهم ولدان مخلدون، بأكواب وأباريق وكأس من معين، لايصدعون عنها ولا ينزفون)، قال ابن كثير في تفسير هذه الآيات: " لا تصدع رؤوسهم، ولاتنزف عقولهم، بل هي ثابتة مع الشدة المطربة واللذة الحاصلة، وروى الضحاك عن ابنعباس أنه قال: في الخمر أربعة خصال: السكر والصداع والقيء والبول، فذكر الله خمرالجنة ونزهها عن هذه الخصال"
وقال الحق في موضع آخر: (يسقون من رحيق مختوم،ختامه مسك)، والرحيق: الخمر، ووصف هذا الخمر بوصفين، الأول: أنه مختوم أي موضوععليه خاتم. الأمر الثاني: أنهم إذا شربوه وجدوا في ختام شربهم له رائحة المسك.
أول طعام أهل الجنة: أول طعاميتحف الله به أهل الجنة زيادة كبد الحوت، فقد روى البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (تكون الأرض يومالقيامة خبزة واحدة يكفؤها الجبار بيده، كما يتكفأ أحدكم خبزته في السفر نزلا لأهلالجنة)، فأتى رجل من اليهود، فقال: بارك الرحمن عليك يا أبا القاسم، ألا أخبرك بنزلأهل الجنة يوم القيامة؟ قال: " بلى "، قال: تكون الأرض خبزة واحدة كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -، فنظر النبي - صلى الله عليه وسلم- إلينا، ثم ضحك حتى بدتنواجذه ثم قال: (ألا أخبرك بإدامهم؟ بالآم والنون، وقالوا وما هذا؟ قال: ثور ونون،يأكل من زائدة كبدهما سبعون ألفا).
قال النووي في شرح الحديث ما ملخصه: (النزل: ما يعد للضيف عند نزوله، ويتكفأها بيده، أي يميلها من يد إلى يد حتى تجتمعوتستوي، لأنها ليسن منبسطة، كالرقاقة ونحوها، ومعنى الحديث: أن الله - تعالى - يجعلالأرض كالرغيف العظيم، ويكون طعاما ونزلا لأهل الجنة، والنون: الثور (والـ بالام): لفظة عبرانية، معناها: ثور، وزائدة كبد الحوت: هي القطعة المنفردة المتعلقة فيالكبد، وهي أطيبها)
وفي صحيح البخاري أن عبد الله بن سلام سأل النبي - صلىالله عليه وسلم - أول قدومه المدينة أسئلة منها: (ما أول شيء يأكله أهل الجنة؟فقال: زيادة كبد الحوت). وفي صحيح مسلم عن ثوبان أن يهوديا سأل الرسول - صلى اللهعليه وسلم - قال: (فما تحفتهم حين يدخلون الجنة؟ قال: زيادة كبد الحوت. قال فماغذاؤهم على إثرها؟ قال: ينحر لهم ثور الجنة الذي يأكل من أطرافها. قال فما شرابهمعليه؟ قال: من عين تسمى سلسبيلا. قال: صدقت).
طعام أهلالجنة وشرابهم لا دنس معه: الجنة دار خالصة من الأذى، وأهلها مطهرونمن أوشاب أهل الدنيا، ففي الحديث الذي يرويه صاحبا الصحيح عن أبي هريرة - رضي اللهعنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم – قال: (أول زمرة تلج الجنة صورتهم على صورةالقمر ليلة البدر، لا يبصقون فيها، ولا يمتخطون، ولا يبزقون)، وليس هذا خاص بأولزمرة تدخل الجنة، وإنما هو عام في كل من يدخل الجنة ففي رواية عند مسلم عن أبيهريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (أول زمرة تدخلالجنة من أمتي على صورة القمر ليلة البدر، ثم الذين يلونهم على أشد نجم في السماءإضاءة، ثم هم بعد ذلك منازل، لا يتغوطون، ولا يتبولون، ولا يمتخطون، ولايبزقون)
وقد يقال: فأين تذهب فضلات الطعام والشراب، وقد وجه هذا السؤال إلىالرسول - صلى الله عليه وسلم - من قبل أصحابه، فأفاد أن بقايا الطعام والشراب تتحولعلى رشح كرشح المسك يفيض من أجسادهم، كما يتحول بعض منه إلى جشاء، ولكنه جشاء تنبعثمنه روائح طيبة عبقة عطرة، ففي صحيح مسلم عن جابر بن عبد الله، قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم – يقول: (إن أهل الجنة يأكلون فيها ويشربون ولا يتفلون ولايتبولون، ولا يتغوطون ولا يمتخطون. قالوا: فما بال الطعام؟ قال: جشاء كجشاء المسك)
لماذا يأكل أهل الجنة ويشربون ويمتشطون: إذا كان أهل الجنة فيها خالدون، وكانت خالية من الآلام والأوجاعوالأمراض، لا جوع فيها ولا عطش، ولا قاذورات ولا أوساخ، فلماذا يأكل أهل الجنة فيهاويشربون، ولماذا يتطيبون ويمتشطون؟ اأجاب القرطبي في التذكرة عن هذاالسؤال قائلا: (نعيم أهل الجنة وكسوتهم ليس عن دفع ألم اعتراهم، فليس أكلهم عن جوع،ولا شربهم عن ظمأ، ولا تطيبهم عن نتن، وإنما هي لذات متوالية، ونعم متتابعة، ألاترى قوله - تعالى –لآدم: (إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى، وأنك لا تظمؤ فيها ولاتضحى). وحكمة ذلك أن الله - تعالى -عرفهم في الجنة بنوع ما كانوا يتنعمون به فيالدنيا، وزادهم على ذلك مالا يعلمه إلا الله - عز وجل -)
آنية طعام أهل الجنة وشرابهم: آنية طعام أهل الجنةالتي يأكلون ويشربون بها من الذهب والفضة، قال - تعالى -: (يطاف عليهم بصحاف من ذهبوأكواب)، أي وأكواب من ذهب، وقال: (ويطاف عليهم بآنية من فضة وأكواب كانت قواريرا،قواريرا من فضة قدروها تقديرا)، أي اجتمع فيها صفاء القوارير وبياض الفضة.
وقد روى البخاري ومسلم في صحيحهما عن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم -:
(إن للمؤمن في الجنة لخيمة من لؤلؤة واحدةمجوفة................ وجنتان من فضة آنيتهما وما فيهما، وجنتان من ذهب آنيتهما ومافيهما).